لماذا لن نستطيع الحصول على النهاية السعيدة؟
تحظى الأفلام ذات النهايات السعيدة بشعبية كبيرة لدى
الجمهور.
يشعر المتفرجون بالفرح والارتياح عندما يحقق البطل حلمه
ويتزوج من حبيبته، وينتصر الخير على الشر.
إننا نحب النهايات السعيدة حتى عندما تكون غير منطقية أو
واقعية؛
لأنها تعطينا الأمل في أن نصبح مثل أبطال الأفلام ونتغلب
على كل مشاكلنا ونحقق أحلامنا.
النهايات السعيدة في الأفلام تحفزنا لكي نسعى
للحصول على النهاية السعيدة لفيلم حياتنا، لكننا ننسى أو نتناسى أن الحياة في
الأفلام أبسط وأقل تعقيدًا من الواقع، وأن حياة أبطال الأفلام تنتهي مع نهاية عرض
الفيلم بينما تستمر حياتنا بعد الحصول ما نريده.
إننا لا نرغب في النهاية السعيدة في حد ذاتها، ولكننا
نرغب في الوصول إلى الحالة النفسية المثالية التي ترافق لحظة الوصول إلى ما نريده،
نرغب في الشعور بالاكتفاء والأمان والسلام النفسي.
نعتقد أن كل مشاكلنا في الحياة ستنتهي، وأننا سنحصل
السعادة الأبدية إذا حصلنا على المال أو السلطة أو الزوج المثالي.
نسمح لأنفسنا بالحُلم ونرسم أهدافا وخطط ونظل نعمل ونسعى
ونركض، نضحي بالمال والوقت والصحة من أجل الوصول إلى أحلامنا التي تبدو كالنجوم
التي تضئ حياتنا وترشدنا، ولكنها في الوقت نفسه تراوغنا وتزداد ابتعاد عنا كلما حاولنا
الاقتراب منها، لكننا نزداد إصرارًا على مطاردتها.
بعد مجهود وعناء
كبير نصل إلى ما نريده، في لحظة الوصول نعتقد أننا حصلنا على النهاية السعيدة،
وأننا نقف منتصرين فوق القمة، وأننا لن نقلق ولن نحزن ولن نشقى بعد اليوم.
لكن بعد فترة
قصيرة نكتشف أن هناك سلسلة من المشاكل والأعباء المرتبطة بالمكانة الجديدة التي
حصلنا عليها. يتعكر صفو مزاجنا وتتلاشى سعادتنا ويعود القلق القديم الذي توهمنا
أننا تخلصنا منه ليحكم قبضته علينا.
نكتشف أننا تعرضنا للخداع، وأن ما حصلنا عليه لم يمنحنا
الأمان والسعادة التي نريدها.
رغم ذلك فإننا لا نتعلم من أخطائنا بل نوهم أنفسنا أن السعادة
الأبدية تنتظرنا في مكان أفضل وأن الوصول إليها يتطلب الحصول على المزيد، المزيد
من المال والممتلكات، المزيد من السلطة والمناصب.
وإذا كان ما نريده هو الحب فإننا نعتقد أن المشكلة تكمن
في الطرف الآخر وليست فينا، وأن الحب الحقيقي ينتظرنا مع شخص مختلف.
نواصل البحث والركض والصراع، وكلما حصلنا على شيء جديد
لا نشبع ولا نرتاح بل نزداد نهمًا وجشعًا.
كلما تصورنا أننا استطعنا إيجاد حل نهائي لجميع مشاكلنا،
وأننا سوف نحصل على النهاية السعيدة التي نستحقها، تلوح لنا مشاكل جديدة أضخم
وأكثر تعقيدًا.
حينئذ ندرك أن الأحلام
التي كنا نركض ورائها مجرد سراب، وأن لا شيء في الحياة مهما علت قيمته يمكنه أن
يمنحنا الأمان المطلق أو يحل كل مشاكلنا أو يمنحنا حصانة من الأخطار والكوارث.
النصائح التي
تقدمها لنا الكتب الدينية والفلسفية عن السعادة صحيحة، فالركض وراء ملذات الحياة
لن يروي ظمأ أرواحنا ولن يمنحنا الطمأنينة التي ننشدها. فالطريق الوحيد للشعور
بالسعادة والاكتفاء في الحياة هو أن نتعلم القناعة، والرضا بما هو متاح، والامتنان
وشكر الله على نعمه وعيش اللحظة والاستمتاع بمباهج الحياة اليومية.
رغم إدراك جميع الناس أن هذه النصائح صحيحة إلا أن قلة
من البشر استطاعوا تنفيذها والالتزام بها؛ لأن غزيرة البقاء تجبر الإنسان على
السعي من أجل الحصول على الأمان المادي، وتحقيق الذات.
مهما حاولنا التمسك بالزهد والقناعة سنظل نتصارع مع الرغبات
والهواجس والوساوس التي توهمنا أن هناك شيء ناقص في حياتنا، وأن ما نملكه ليس
كافيًا، وأن السعادة القصوى تنتظرنا في مكان بعيد.
الحل لا يكمن في كبت رغباتنا أو إنكارها، الحل يكمن في
الوعي بها والتصالح مع وجودها لأنها جزء من طبيعتنا البشرية، وفي لكن في الوقت
نفسه علينا ألا نأخذها بجدية زائدة، وأن ندرك زيفها حتى لا ننساق ورائها بشكل
أعمى.
لا ضرر في أن يكون لدينا أحلام وأهداف نسعى لتحقيقها،
ولكن الضرر في أن نعطيها قيمة أكبر مما تستحق ونضحي بما نملكه من أجلها.
لا ضرر في أن نبحث عن السعادة، ولكن الضرر في أن نربطها
بالأوهام والنهايات السعيدة الساذجة التي تصدرها لنا الأفلام والقصص
الخيالية.
0 تعليقات
رأيك يهمني اترك تعليقك على ما قرأته