كيف تتفادى الانحياز الأعمى
هل تعتقد أنك شخص ذكي
وعقلاني بينما أغلب الناس جهلة ومغيبين؟
هل تعتقد أن آرائك
صائبة وآراء الآخرين خاطئة لأنك كونت آرائك نتيجة معلومات صحيحة وخبرة طويلة بينما
كون الآخرين آراءهم نتيجة معلومات مغلوطة وافكار مضللة؟
إذا أجبت على هذه
الأسئلة بنعم فأنت لست وحدك. جميع الناس لديهم ثقة مفرطة في آرائهم، جميع الناس
يعتقدون أنهم يملكون الوعي والمعرفة وأنهم دائما على صواب.
الحقيقة أن جميع الناس متحيزين بطبيعتهم، إنهم
يبحثون فقط على المعلومات التي تؤكد صحة ما يعرفوه بينما يتجاهلون المعلومات التي
تخالف معتقداتهم وآرائهم.
الانحياز التأكيدي يعد من أشهر
المغالطات الفكرية وهو الميل للبحث
وتفسير وتذكُّر المعلومات بطريقة تتوافق مع معتقدات وافتراضات الفرد، وعدم
الاهتمام بالبحث عن المعلومات المناقضة لها.
لقد أظهرت التجارب العلمية أن الناس لديهم ميل
للبحث بطريقة انتقائية عن المعلومات التي تدعم ما يؤمنون به بينما يرفضون أو
يتجاهلون المعلومات التي تؤيد نتائج أخرى
الانحياز التأكيدي يعمل بشكل غير واع في عقولنا،
انه مثل الفلتر الذي ينتقي لنا المعلومات حتى نراها بطريقة تتوافق مع رغباتنا
واهتماماتنا.
هل حدث معك من قبل أن
فكرت في السفر لقضاء إجازة في مكان معين، ثم قرأت في نفس اليوم اعلاناً عن رحلات
بأسعار مخفضة لنفس المكان الذي فكرت في السفر إليه؟
ربما اعتقدت أنك محظوظ،
ولكن الحقيقة هي أنك تتعرض يوميا لكم هائل من المعلومات والبيانات بيد أن الانحياز
التأكيدي يجعلك تلاحظ المعلومات التي تستجيب مع الأفكار التي تمر بذهنك بينما
يتجاهل المعلومات التي لا تهمك.
الانحياز التأكيدي
بإمكانه أن يؤثر على علاقاتك بالآخرين بشكل سلبي، إذا كنت تعاني من ضعف الثقة
في النفس ستجد نفسك بدون وعي تتعامل مع الناس بحساسية شديدة وتميل لتفسير تصرفاتهم
معك بطريقة سلبية.
الانحياز التأكيدي بإمكانه
أن يؤثر على قراراتك في العمل سلبيا فإذا كنت تعمل في مجال الاستثمار ولديك ثقة
كبيرة في إمكانية نجاح مشروعك سوف تتجاهل الأدلة التي تشير إلى مخاطر هذا المشروع،
وبالتالي قد تعرض نفسك لخسارة أموالك في حالة فشل المشروع.
حتى العلماء الذين يٌفترض
فيهم الحياد والموضوعية ليسوا محصنين ضد الانحياز التأكيدي فلقد أثبتت
الأبحاث أنَّ العلماء يُقيِّمون الدراسات التي تتوافق نتائجها مع
مُعتقداتهم المُسبقة بطريقة أفضل مِن التي تختلف نتائجها عن مُعتقداتهم.
الانحياز التأكيدي يظهر
أيضا بشكل واضح في وسائل الاعلام.
القائمون على وسائل
الاعلام يدعون أنهم يقدمون للناس الحقائق كما هي ويفسحون مساحة لعرض جميع الآراء والتوجهات،
لكن الحقيقة أن جميع وسائل الاعلام متحيزة لأنها تعمل وفقا لرؤية وتوجهات مالكيها ومموليها،
والقائمين على هذه الوسائل يعرفون كيف يتلاعبون بالحقائق والمعلومات ويستخدمون
وسائل التضليل والتعتيم لكي يقنعوا الجماهير بأنهم يقدمون لهم الحقيقة
المجردة بينما هم يقدمون لهم حقائق انتقائية.
مع تطور وسائل
التكنولوجيا وتعدد مصادر المعلومات بدأت وسائل الاعلام تتحول إلى بوفيه مفتوح يقدم
خدمات تناسب ذوق توجهات آراء مستخدميها، فتجد موقع جوجل يقدم الأخبار بناء
على تحليله لعمليات البحث التي يقوم بها المستخدم والمواقع التي يميل لزيارتها
لقد
صارت وسائل الاعلام مصممة حتى تؤكد لك ما تعرفه مسبقا، وتضعك في فقاعة ترى من
خلالها العالم بشكل يتوافق مع معتقداتك واهتماماتك، حتى الأخبار التي تتلقاها من
وسائل التواصل الاجتماعي تأتي من خلال اصدقائك الذين يتفقون معك في أغلب الآراء،
وإن تجرأ أحدهم وكتب ما يخالف معتقداتك تشعر
بالاستفزاز والانزعاج منه وتقوم بحذفه على الفور حتى تستطيع الاستمرار في رؤية
العالم بالطريقة التي تريحك.
بمرور السنوات ومع
تكرار التعرض لنفس المعلومات ولنفس وسائل الاعلام والكتب وتكرار التعامل مع نفس
الأشخاص تزداد معتقداتك رسوخا حتى تتصور أنك تمتلك الحقيقة المطلقة، وتبدأ في الاستهزاء
بالأشخاص الذين يرون العالم بصورة مختلفة عنك وتتصور أنهم منفصلين عن الواقع.
يؤسفني أن أؤكد لك أنك لا
تختلف كثيرا عنهم لأنك تمنع نفسك من الاطلاع على المعلومات التي تتحدى آرائك
ومعتقداتك.
لا أحد
يرى العالم كما هو، جميعنا نرى العالم كما نريد أن نراه وهذا ما يمنعنا من
الاقتراب من الحقيقة. هناك طرق بسيطة يمكنك اتباعها إذا كنت تريد حماية نفسك من
التأثيرات السلبية للانحياز التأكيدي:
1- تخلى عن
ثقتك العمياء بآرائك ومعتقداتك، لابد أن تدرك أن آرائك تحتمل الخطأ وأنك متحيز
بطبيعتك مثل جميع البشر.
2- لا تستعجل
ابداء رأيك في أي قضية وحاول أولا أن تبذل بعض المجهود وابحث عن كافة الأدلة المؤيدة
والمعارضة حتى تمتلك القدر الكافي من المعلومات والأدلة.
3- اخرج من
منطقتك العقلية الآمنة وحاول أن تطلع على كافة التيارات الفكرية وحاول أن تقرأ
للكتاب والمفكرين الذين تختلف معهم، لعلك تستطيع الاستفادة منهم حتى تفهم العالم
بشكل أوسع وأكثر توازنا.
المصادر :
choice/201504/what-is-confirmation-bias
0 تعليقات
رأيك يهمني اترك تعليقك على ما قرأته