لماذا لا ينجح الكتاب الموهوبون
من أشهر الخرافات الشائعة عن الكتابة وعن الإبداع بشكل عام
أن الموهبة هي السر الأساسي والوحيد في نجاح المبدع، الموهبة هي تلك المنحة
الإلهية التي يختص بها الله عددًا محدودًا من عباده، وكل إنسان يولد بقدر معين من
الموهبة لا يستطيع أن يزيد أو ينقص منها.
يعتقد العامة أن الكاتب الموهوب بالفطرة يستطيع أن يبدع
بدون مجهود كبير، فيكفيه أن ويركز قليلًا حتى تتدفق في ذهنه الكلمات وتنساب بسلاسة
على الورق.
لكن من جرب دخول
مجال الكتابة سيكتشف أن الأمر على أرض الواقع ليس بهذه البساطة وأن الموهبة ليس هي
كلمة السر الوحيدة التي تؤدي إلى الابداع والنجاح.
الموهبة كلمة
خادعة ومراوغة مثل الزئبق لا تستطيع أن تضع يدك عليها أو أن تقيس مقدارها وحجمها
كما أنها تُستخدم في كثير من الأحيان كسلاح لنقد الأعمال الرديئة أو كوسيلة لتبرير
الفشل الذريع أو النجاح الساحق فيكفي أن تقول إن فلان فشل لأنه غير موهوب وفلان
حقق نجاحا ساحقا لأنه يمتلك موهبة فذة.
الواقع يؤكد أن
ليس كل الموهوبين ناجحين، فهناك موهوبين أنتجوا أعمالا رديئة وحققوا نجاحًا متواضعًا،
وهناك موهوبين عانوا وتحملوا السخرية والنقد والتجاهل حتى يقدموا إبداعاتهم للناس
وماتوا بدون أن يلتفت أحد لموهبتهم.
الموهبة شيء نسبي لا يمكن أن يتفق عليه كل الناس كما أن
الموهبة ليست شيء ثابت يولد به الإنسان ولكنها بذرة صغيرة تختبأ داخل كل شخص، تلك
البذرة يمكن أن تنمو وتكبر وتصير نبتة ثم شجرة إذا استطاع الإنسان اكتشافها وقام
بصقلها وتهذبيها وأعطاها الاهتمام والرعاية الكافية، كم من أشخاص صدقوا أنهم
موهوبون واستندوا على موهبتهم ولم يفعلوا شيئًا للعمل عليها وتطويرها فتجمدت
موهبتهم ثم اختفت تمامًا.
السر الحقيقي للإبداع هو المثابرة، والمثابرة لو تعملون
أمر صعب جدا خصوصا بالنسبة للمبدعين، فالمبدع بطبيعته مزاجي وحساس، يخضع لتقلبات
نفسية عنيفة وتتقاذفه عواصف اليأس والإحباط والاكتئاب، يوما تراه متحمسًا مقبلًا
على الحياة مستعدًا للعمل والابتكار، ويومًا آخر تراه لا يطيق نفسه ولا يطيق
الحياة ويعتقد أنه مدعي وفاشل ولا أمل أمامه في تحقيق أي نجاح يٌذكر. لكن المبدع
الذكي المثابر يصر على تحدي تقلباته النفسية وحالته المزاجية وظروف حياته وتحدي
خوفه من الإبداع.
نعم،
لقد اكتشفت أن الإبداع أمر مخيف جدا. فقبل
أن أشرع في الكتابة تتسارع دقات قلبي وأشعر أنني على وشك القفز في المحيط
وأنا لا أجيد السباحة، أكاد أن أغلق الكمبيوتر وأبحث عن أي شيء أشتت به نفسي حتى
ابتعد عن الكتابة، لا أعرف لماذا أشعر بالخوف من الكتابة رغم أنها أكثر شيء أحبه
في الحياة، ربما لأن الكتابة تضعني في مواجهة مباشرة مع نفسي، مع عقلي وأفكاري
وذكرياتي وهواجسي وكل الأمور التي تزعجني وتقض مضجعي، وربما لأني أخاف أن تكون
كتابتي سيئة، أخاف أن يرفض عقلي أن يطاوعني ويستجيب لأفكاري ويحولها إلى كلمات
مفهومة وصور جمالية رائعة، أخاف ألا أستطيع استخراج الأحجار الكريمة من الصخور التي تقبع في رأسي، ولكني أحاول أن
أتحدى خوفي والتزم بالكتابة برغم كل ظروفي.
جينفر ايجان |
0 تعليقات
رأيك يهمني اترك تعليقك على ما قرأته