حوار مع انسان سعيد
قابلته في العالم الافتراضي , تبادلنا أطراف الحديث حتى نشأت بيننا صداقة ثم تقابلنا في العالم الحقيقي , اكتشفت أنه عكسي تماما , انه هادئ متفاءل , مستبشر , رائق الذهن يرى الحياة جميلة و والناس لطفاء وأنا متذمرة مكتئبة حزينة أرى الواقع مؤلم والحياة سوداء , تجرأت وقلت له :
- استغرب من كونك سعيدا رغم أنك تعيش مثلي في تلك المنطقة المنكوبة من العالم .
ضحك ثم سألني:
- هل تريدين معرفة سر سعادتي ؟ .
أومأت له برأسي حتى يتكلم , رفع رأسه بزهو وقال بهدوء :
- سر سعادتي أنني تعلمت كيف أكون سائحا في هذا البلد , تعلمت أن أعيش هنا بدون أن أكون هنا, إنني لا أقرأ الأخبار, لا أشاهد التليفزيون, لا أدخل على مواقع التواصل الاجتماعي, لا أجلس في المقاهي الشعبية. إنني لا أحب إضاعة وقتي وأقضي يومي في عملي الذي يستحوذ على كل طاقتي وتفكيري.
- ألا تعاني من مشاكل الزحام والمواصلات ؟ ألا يزعجك الضجيج والتلوث ؟ ألا يؤرقك الغلاء و ارتفاع الأسعار ؟
- إنني أعرف كيف أتأقلم مع هذه المشاكل, أثناء سيري في الشارع أو جلوسي في المواصلات أضع على رأسي سماعات , استمع لموسيقى هادئة لطيفة التي تعطيني طاقة ايجابية وتضعني في حالة مزاجية جيدة فلا أشعر بما يدور حولي. أما عن ارتفاع الأسعار فإنه لا يؤرقني لأن مرتبي يكفيني و متطلباتي ليست كثيرة خصوصا أنني لست متزوجا.
- وهل ستظل على هذا الحال طول الوقت ؟ من المؤكد أنك ستتزوج في المستقبل وحينها ستزيد متطلباتك ومسئولياتك وستعاني ماديا ولن تكون سعيدا كما أنت الآن
أشار لي بيده حتى أتوقف :
- لا تستبقي الأحداث , عندما أقرر الزواج سأفكر ماذا أفعل , إنني أعيش حاضري فقط وهذا هو سر سعادتي الأكبر.
- إذا كنت سعيد و لا تعاني من أي شيء , ألا تحزن بسبب معاناة الآخرين من حولك ؟
- معاناة الناس لا تجعلني أحزن لأنها لا تخصني ولا تعنيني . إنني لست شخص بارد , كل ما في الأمر أنني تعلمت أن أحافظ على مسافة معقولة بيني وبين الآخرين, تعلمت أن أقترب منهم بدون التصق بهم , تعلمت أن افصل نفسي عنهم في الوقت المناسب حتى لا يجرفني تيار حياتهم.
- ألا تعاني من أي مشاكل أو عقبات أو صعوبات في حياتك ؟
- بلا , تمر علي مشاكل ومحن كثيرة ولكني تعلمت كيف أتعامل معها. تعلمت أن أرى كل شيء من بعيد حتى أرى الصورة الكاملة ,وحتى أرى كل مشكلة أصغر وأتفه مما اتصور وأنها ستمضي وتختفي مثل السحب في أيام الصيف.
هززت رأسي باستخفاف وقلت له :
- فلسفتك في الحياة تذكرني بكتب التنمية البشرية التي أكرهها لأنها تبسط الحياة بشكل مبالغ فيه.
ضحك قائلا :
- الحياة بالفعل بسيطة يا صديقتي ولكننا من نصر على تعقيدها ,السعادة في متناول يدينا إذا أردنا اختيارها ولكننا نصر على الركض وراء مصادر البؤس.
قلت له بلهجة مستهزئة :
- السعادة التي تتحدث عنه سعادة مزيفة , إنها سعادة مبنية على الانفصال عن الواقع والهروب منه.
رد علي بثقة :
- لا يوجد شيئا اسمه واقع , الواقع الذي نراه ليس محايدا وليس كاملا , إنه واقع من صنع العقل الذاتي المحدود والحواس القاصرة , إننا لا نرى من الواقع إلا ما نريد أن نراه , إننا نرى فقط ما يتفق مع تحيزاتنا وأفكارنا ومعتقداتنا , لذا بإمكان شخصين أن يشاهد أشياء مختلفة في مكان واحد, نحن من نختار الأشياء التي نراها ونحن من نختار كل نفسر كل شيء نراه بطريقة سلبية أو إيجابية.
- إذا كنت لا ترى سوى الجمال في الحياة فإن رؤيتك للحياة مشوهة لأن الحياة ليس جمالا فقط , وإذا كنت قادرا على تفسير كل شيء بطريقة إيجابية فأنت بذلك تخدع نفسك وتلوي عنق الواقع حتى يوافق رؤيتك الوردية للحياة.
- أنا لا أرى القبح وأنت لا ترين الجمال وهذا يعني أننا متساويين, رؤيتك للحياة لا تقل خداعا عن رؤيتي, الفرق أن رؤيتي تجلب لي السعادة ورؤيتك تجلب لك التعاسة.
- إنني أرى الجمال ولكني لا أحب أن أغمض عيني مثلك حتى لا أرى القبح, أحب أن أرى الواقع بكل أبعاده وأقطابه بدلا من أن أعيش في فقاعة ملونة مثلك.
- و أنا أفضل أن أعيش سعيدا في فقاعتي الملونة على أن أعيش تعيسا في واقعك البائس.
- ستنفجر فقاعتك في يوم من الأيام.
- سأصنع غيرها حتى أستطيع مواصلة الحياة وأضمن لنفسي السعادة.
1 تعليقات
كل له وجهة نظر
ردحذفويا ليتنا جميعاً مثل مواطنك السعيد
ولكن من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم
فإذا اشتكى من الجسد مضغة تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى
أحسنتى
رأيك يهمني اترك تعليقك على ما قرأته