بنت وولد
بنت وولد |
عندما كانت سها طفلة
عمرها سبع سنوات ذهبت لوالدتها في احدى
المرات و أخبرتها بلهجة جادة أنها تريد أن
تسألها عن شيء مهم . بدا على والدتها الاهتمام وشجعتها أن تسأل عن ما تريده .
ارتعشت شفتيها واختلج
وجهها ثم أخبرتها أنها تشك أن والدها ليس والدها الحقيقي . انطلقت
سلوى في الضحك وهي
تقول لسها " بطلي تتفرجي على أفلام قديمة
" . لم
تفكر في السبب الذي جعل سها تشك في نسبها لأسرتها .
ورغم أن سها كبرت وأدركت أن شكوكها بلا سند منطقي
إلا أن هناك جزء منها ظل غير مقنتع أنها ابنة محمود العيسوي. إنها ابنة سلوى عبد الفتاح
ولكنها بالتأكيد ليست ابنة محمود العيسوي لأنها لو كانت ابنته لما عاملها بهذه الطريقة .
لم تجد تفسيرا لاستخدامه
صيغة الأمر والنهي في الحديث معها طول
الوقت و لتعمده مناداتها بكلمة " يا
بت " طول الوقت . ولم تجد تفسير للنشوة
التي تبدو على وجهه وهو يشتمها ويضربها على أتفه
خطأ يصدر منها .
إنها لا تستطيع أن تحذف من ذاكرتها تفاصيل أول مرة تعرضت فيها للضرب منه . كانت في ذلك الوقت مثل أي طفلة صغيرة لا تتحمل
الابتعاد عن أمها , لذلك
أخذت تبكي وتتوسل إليها لكي تتركها تذهب معها لابنه خالتها ولكن سلوى رفضت أن تأخذها معها وأصرت على أن تتركها في المنزل مع والدها وجدتها.
لم تعبأ سها بأوامر والدتها وظلت
تجري ورائها وتهتف " خوديني معاكي يا ماما
" , لم والدتها تسمع صوت صياحها وابتعدت عنها حتى ركبت التاكسي فعادت سها
أدراجها وهي تبكي . وقبل أن تدخل العمارة تعثرت في حجر كبير ملقي على الأرض فوقعت على وجهها واصطدمت أنفها وشفتيها بالأسفلت
.عندما تتذكر الورم الذي أحدثته صفعة
والدها في وجهها
ترتعد خوفا , وتتساءل لماذا لم يرحمها والدها من الألم ولم يوقف الدم السائل من أنفها
وترك وجهها يتورم حتى عادت والدتها ووضعت الكمادات على
وجهها ؟.
تسلل لها شعورا قويا وصل لدرجة اليقين أنه يكرهها
ولكنها لم تستطع أن تتوصل لتفسير منطقي
لتلك الكراهية التي خصها بها دونا على
ابنه المفضل تامر وروان التي يدللها طول
الوقت .
ظنت أنها لابد أن تعطيه أسبابا كافية لكي يحبها . لذلك قررت أن تعامله كما يعامل جدتها و أصبحت كلمات " حاضر ونعم وأوامرك " لا تفارق لسانها
في الحديث معه والابتسامة لا تفارق وجهها
في وجوده , ومع ذلك ظل يعاملها ببرود وجفاء. زادت من اجتهادها في دراستها
ظنا منها ان تفوقها سيزيد من قدرها عنده
وسيزيد من فخره بها , ولكنها
فوجئت به ينظر لورقة الدرجات النهائية التي حصلت عليها بلامبالاة ثم يهنئها بفتور.
و عندما فشلت كل محاولاتها لتغيير سلوك والدها قررت أن تلجأ لأمها مجددا .و سألتها بصراحة
" هو بابا بيكرهني ليه ؟"
بدت على وجه سلوى نفس الابتسامة
الساخرة التي رسمتها عندما وجهت لها هذا
السؤال في طفولتها , ثم اتهمتها بالحساسية الزائدة وأكدت لها أن
والدته يحبها مثلما يحب تامر و روان بالضبط بل أكثر لأنها ابنته البكرية .
حكت لها
كم كان سعيدا بمجيئها للعالم لدرجة أن كان يترك المحل معظم الوقت لكي
يطعمها بنفسه و يلاعبها ويراقبها وهي تخطو
أولى خطواتها . و كان كلما يقع نظره على لعبة في أي محل يشتريها
من أجلها حتى تحولت حجرتها إلى محل
ألعاب .
لم تقتنع سها أن أمها صادقة إلا عندما
شاهدت لأول مرة الصور التي جمعتها بوالدها
في طفولتها .رأت الابتسامة الفخورة تكسو وجهه وهو يحملها بين ذارعيه و يحتضنها . رأته وهو يطبع على جبينها قبلة وهي تنفخ شموع تورتة عيد ميلادها الثالث , و رأته
وهو يسند ظهرها وهي تجلس فوق دراجتها
الصغيرة .
أخذت تفتش في صندوق ذاكرتها بحثا عن مشهد يؤكد أن هذه الصور كانت جزءا من لحظات كانت هي
بطلتها ولكنها فشلت .
ما فائدة أن تشاهد صورا لذكريات جميلة لا
تتذكر أنها عاشتها ؟
لقد تأكدت على الأقل أن والدها كان يحبها ولكن هذا الحب تبخر مع مرور الوقت بدون
سبب واضح . أصرت أمها أن والدها لا يكرهها ولكنه يتشدد في معاملتها
لأنه يخاف أن تفسد أخلاقها لو دللها .
- طب ليه مش خايف على تامر من الدلع
؟
- بلاش
تقارني نفسك بتامر إنتي بنت وهو ولد ياسمين خليفة
من رواية بنت وولد
الرواية صدرت عام 2014 عن دار ليان للنشر والتوزيع
1 تعليقات
رائعة
ردحذفإن شاء الله أقرأها فى يوم ما
العنف الأسري موجود ضد الإناث فى كثير من البلدان والبيوت
أحياناً كثيرة لا يقصد الأباء ذلك ويعتبرونه من باب التربية
أسأل الله أن يصلح أحوالنا
أحسنتى
رأيك يهمني اترك تعليقك على ما قرأته