افضل خمس روايات قرأتها في 2017

في المقال السابق قدمت لكم أفضل خمس كتب فكرية قرأتها في 2017 وفي هذا المقال الذي اختتم به حصاد الكتب اقدم لكم قائمة أفضل خمس روايات قرأتها في 2017 . ترتيب الروايات في القائمة لا يعكس اهميتها أو قيمتها الادبية فلقد ابهرتني كل هذه الروايات وأثرت في نفسي بنفس القدر. 

1- بقايا اليوم - كازو ايشيجورو  

هناك أعمال ادبية تقرأها من فرط جمالها وروعتها تحزن لأنك اكتشفتها متأخرا

,هذا كان  شعوري بعد الانتهاء من قراءة رواية بقايا اليوم للأديب البريطاني الياباني  كازو ايشيجورو والذي حاز على جائزة نوبل للأدب عام 2017.

قصة الرواية  تبدو من الخارج عادية وليست مثيرة للاهتمام, إنها تدور في  منتصف الخمسينات تسرد حياة كبير الخدم في قصر كبير اسمه درلنتجون هول.

هذا الخادم العجوز يقوم برحلة لزيارة احدى الخادمات التي كانت تعمل معه في القصر في الماضي, وفي اثناء هذه الرحلة يقوم باسترجاع ذكرياته معها ومع اللورد الذي كان يخدمه.

وظيفة رئيس الخدم هي وظيفة قديمة زمنها ولى بعد انتهاء عصر الأرستقراطية في بريطانيا وسيطرة الثقافة الامريكية على الثقافة البريطانية.

 بطل الرواية الذي يدعى ستيفنس كان يأخذ وظيفته التي يمكن أن نعتبرها عادية او ضئيلة بقدر وربما مبالغ فيه من الجدية.

المؤلف تمكن من رسم شخصية ستيفنس ببراعة وتمكن مذهل. إن شخصيته تمثل النموذج التقليدي للشخصية البريطانية فهو مهذب, متحفظ وبارد وحذر في التعبير عن مشاعره ولكنه متفان ومخلص لعمله ولسيده إلى أقصى درجة. اهتمامه بعمله واعتقاده انه يؤدي خدمة جليلة للبشرية بهذا العمل جعله يضحى بحياته وبسعادته وبحبه لزميلته.

يتميز اسلوب كازو ايشيجورو بالهدوء والغموض فهو لا يقدم للقارئ كل المعلومات عن الشخصية والأحداث ويترك له الفرصة لكي يتخيل ويخمن الاحداث التي لم يتم الإفصاح عنها

هذه الرواية تجعلك تدرك كيف يأخذ المرء عمله على محمل الجدية ويحدد هويته وهدفه في الحياة من خلال مهنته , لكن المأساة هي أن تمر عليك السنوات وتنظر للخلف وتتأمل حياتك لتكتشف أن عملك لم يكن بهذه الأهمية وأنك اهدرت فرصتك للحصول على السعادة وأضعت حياتك من أجل خدمة شخص لا يستحق.

2- راوية الأفلام – ايرنان ريبيرا لتيلير

إننا مصنوعون من مادة الأفلام نفسه, إننا مصنوعون من مادة الأحلام نفسها.

هذه العبارة تخلص مضمون رواية راوية الأفلام للأديب التشيلي ايرنيان ريبيرا لتيلير.

اسم الرواية وغلافها جذبني, بعد أن شرعت في قراءتها وجدت نفسي عاجزة عن تركها , عشت كل كلمة وكل حرف قرأته فيها كأنه شريط سينمائي يمر أمامي

الرواية تتحدث عن طفلة تشيلية اسمها ماريا ماجريتا تنتمي لأسرة فقيرة بائسة وتعيش معهم في معسكر للعاملين في مصانع الملح.

يصاب والد ماريا بالشلل بعد تعرضه لإصابة في العمل وتهرب والدتها من المنزل وتتركها مع أخوتها. رغم أن الاسرة تعيش على حد الكفاف إلا أنهم يحاولون اسعاد أنفسهم بمشاهدة الأفلام السينمائية, والد ماريا يعشق السينما ولكنه لا يملك الميزانية  لدخول كل الافلام التي يحبها فيجعل أحد اولاده يدخل لمشاهدتها, وبعد خروجه يعود للمنزل حتى يحكيها لأفراد الاسرة بالتفصيل

 يقرر الأب أن يجعل ماريا الصغيرة تحكي له الافلام لأنها تملك موهبة جيدة في التمثيل والغناء بالإضافة إلى امتلاكها لخيال واسع جدا يساعدها على إضافة الكثير من التفاصيل للفيلم لتجعله يبدو أكثر إمتاعا وتشويقا.

السينما ليست موضوع الرواية , موضوعها الحقيقي هو الحلم فالسينما هي رمز لكل ما هو جميل وخيالي وحالم في حياتنا.  السينما تعطيك الامل وتخرجك من عالمك الضيق لساعات قليلة لتدخل عالما آخر أجمل وارحب واوسع.  

الرواية تتحدث عن الحلم والأمل في حياة افضل وكيف تجعلنا الأحلام نحتمل الحياة ونتطلع للمستقبل وكيف تتحطم أحلامنا الطفولية مع تقدمنا في العمر وقسوة الحياة الرواية مدهشة ومؤلمة في نفس الوقت, إنها رواية سينمائية تشاهدها في خيالك وأنت تقرأها. كل كلمة فيها مختارة بعناية شديدة فلا مكان للحشو أو المط وهذا ما يزيد من متعتها

في نهاية الرواية  تشعر بالحزن وتتمنى لو كانت نهايتها جميلة مثل الافلام القديمة

,ولكن لأنها رواية واقعية فكاتبها لا يستسلم للأحلام والخيال بل يعيدنا الى العالم الحقيقي القاسي في النهاية بعد أن حلقنا في البداية في سماء الأحلام الجميلة مع راوية الأفلام.

3- لاعب الشطرنج – ستيفان زيافج

لاعب الشطرنج هي أول عمل أدبي أقرأه للأديب النمساوي الكبير ستيفان زيافج  وقد كانت خير تعارف بيني وبينه, إنها نوفيلا صغيرة تتحدث عن مبارزة بين لاعبي شطرنج  أحدهما يمتلك موهبة استثنائية في لعب الشطرنج رغم أنه متبلد ذهنيا ولا يتمتع بذكاء فائق, أما الاخر شخص تعرض لتجربة السجن الانفرادي وخلال سجنه عثر على كتاب عن قواعد لعب الشطرنج .

هذا الكتاب كان مصدر التسلية الوحيد له في سجنه, ومن خلاله تعلم الشطرنج وبل وأصبح لاعب محترف جدا فيه.

القصة مذهلة جدا وسلوبها مشوق, ومحكمة البناء, أروع ما فيها انها تكشف عن احساس الانسان تحت وطأ السجن الانفرادي وكيف يمكن أن يقاوم هذا السجن

حتى يصل الى اختراع أحداث في عقله لكي ينشط ذهنه.

 هذه القصة الرائعة تنفذ إلى أعماق النفس البشرية وتؤكد أن السجن الانفرادي هو أقصى عقوبة يمكن توقيعها على الإنسان لأنه  كائن اجتماعي لا يستطيع أن يتخلى عن الناس ولا يمكن أن يتحمل العزلة.

4- أحلام الناي – هيرمان هسه

         

  احلام الناي  قصصية شديدة الروعة للأديب الالماني الكبير هرمان هيسه

الذي صار من كتابي المفضلين بعد أن قرأت رائعته سيدهارتا ولقد ابدع في هذه المجموعة القصصية  التي تخاطب الروح وتلهمها.

إنها تدور خارج المكان والزمان في عالم يختلط فيه الخيال بالواقع عالم شاعري تستمتع فيه بأوصاف الطبيعة والجبال والسهول والأنهار. القصص تحمل معانٍ رمزية عديدة, وتحتوي على فلسفة جميلة مستمدة من الفلسفة البوذية والشرقية بصفة عامة.

هذه القصص أشبه بحلم جميل قصير لا تود أن تستيقظ منه.

5- البرتقالة الآلية – انتوني بيرجس 

رواية البرتقالة الآلية للأديب البريطاني انتوني بيرجس من الروايات القليلة التي يعجز القارئ عن 

تصنيفها.

غلاف الرواية يوحي أنها رواية رعب عنيفة جدا
,وهذا ما جعلني اتردد في قراءتها اولا ولكني بعد أن قرأتها اندهشت وفوجئت بأحداثها وبطريقة السرد المبطنة بالسخرية والتهكم.
الرواية تمتلئ بمشاهد العنف , لكن لا يمكن تنصيفها على انها رواية رعب
لأنها تحمل الكثير من السخرية والافكار الفلسفية والانتقادات الاجتماعية والسياسية.
بطل الرواية مراهق يدعى اليكس هو رئيس عصابة من الشباب يستمتعون بالقتل والسرقة والضرب والاغتصاب.
انه شخص سيكوباتي منغمس في الافعال الاجرامية ليس لأنه محروم من شيء او لاحتياجه للمال ولكن لأنه يستمتع بالأذى والتدمير.
انه يعتبر ما يفعله اختيار حر للشر ,رغم دناءة البطل وانحطاطه وسوء اخلاقه إلا ان الروائي يجعلك تتعاطف معه بعد أن يدخل السجن ويخضع لتجربة إعادة تأهيله واصلاحه التي تغير حياته وتقلب شخصيته رأسا على عقب وتحوله من إنسان عنيف إلى إنسان خاضع وخانع يميل إلى الشر ولكنه يعجز عن ممارسته.
الرواية تتضمن الكثير من الأسئلة الفلسفية الهامة حول الارادة الحرة واختيار الخير والشر. انتوني بيرجس يرى أن الاختيار الاخلاقي مهم جدا للبشر والانسان الصالح لا يمكن أن نعتبره صالحا إلا إذا كان صلاحه نتيجة اختياره وليس سلوكا  إجباريا.
المؤلف  يسخر من المجتمع الذي باتت الآلة تحكمه حتى تحول البشر انفسهم إلى الآت مبرمجة خالية من الروح والقدرة على الاختيار.
كما ينتقد طريقة جهاز الشرطة في التعامل مع السجناء وتأهيلهم لأن اهانتهم وضربهم والحط من قدرهم يجعلهم اكثر تمسكا بالعنف ,ويرى أن ضباط الشرطة أكثر انحرافا في سلوكياتهم من المجرمين وهذا ما ينزع عنهم الشرعية الاخلاقية التي تجعلهم قادرين على تأهيل المجرمين.
انها رواية مدهشة ومهمة جدا لأنها تكشف عن اعماق الشر في النفس الانسانية. 

من الجدير بالذكر أن هذه الرواية تم ترجمتها إلى العربية عبر دار الهلال كما أنها تحولت إلى فيلم شهير في السبعينات للمخرج ستانلي كوبريك.