الاكتئاب 
" انا عندي اكتئاب " .
 عندما نسمع أحد يقول هذه العبارة عادة ما نعتقد أنه حزين أو محبط أو " زعلان شوية " ولكن في الحقيقة الاكتئاب ليس مساويا للحزن, الحزن شعور إنساني طبيعي يمر به جميع الناس  ثم ينتهي  لكن الاكتئاب ليس مجرد شعور,  الاكتئاب مرض خطير لا يفهم معناه إلا من وقع تحت  قبضته.
 في البداية  يكون مثل  سحابة سوداء تحوم حولك ,  تقف فوق رأسك  , تحاول إبعاده عنك بكل قوة  ولكنه يظل يطاردك , يقف مترصدا لك ,يستغل أي لحظة ضعف أو يأس تمر بها حتى يخترق عقلك , يوهمك بأنه صديقك بينما هو في الحقيقة  وحش كاسر  يريد السيطرة  عليك.
 الاكتئاب يسرق منك روحك وطاقتك وحبك للحياة, يصبغ كل شيء أمامك باللون الأسود , يلومك و يجلدك ويعنفك  في كل لحظة , يجعلك تنسى  كل لحظات السعادة والنجاح والهناء  ويذكرك في كل دقيقة بلحظات الفشل والخيبة والإحباط , يزرع في قلبك الخوف واليأس , يوهمك أنك  نكرة بلا  قيمة وأن كل مجهوداتك بلا فائدة  وأن مستقبلك أسوأ من حاضرك وأن العالم لا يحتاجك ولا أحد يشعر بوجودك.
 تجد نفسك مرهقا ومتعبا طوال الوقت  بسبب صراعك مع الأفكار المؤلمة التي يبثها في عقلك   بلا توقف  ,تعجز عن النوم والعمل وتناول الطعام و تصبح عازفا  عن كل  شيء كنت تحبه في يوم ما ,  تنسى معنى الضحك والسعادة , يرسم الألم معالمه على وجهك , يسألك المقربون إليك  ماذا بك ؟ عندما تخاطر وتقول لهم الحقيقة تجدهم ينظرون لك باستخفاف واستهزاء  ثم يلقون على رأسك الاتهامات بالضعف وقلة الإرادة والإيمان والبعد عن الله, يذكرونك بالنعم التي تحظى  بها  ويجعلوك تشعر أن الاكتئاب رفاهية فأنت  أفضل كثيرا من غيرك من الفقراء والمرضى والمساكين , ويخبرونك أن  حالتك ستتحسن  إذا أكثرت من  الصلاة والدعاء والتقرب من الله  أو إذا خرجت من المنزل وشغلت نفسك بأنشطة  حتى تنسى نفسك وآلامك , كلامهم يشعرك بالذنب  فتحاول  أن تنفذ نصائحهم , تتحسن حالتك النفسية قليلا ولكن بمجرد أن تواجهك أي مشكلة  تنزلق الى نفس الهاوية , تحاول المقاومة , تنجح في الصمود لبعض الوقت ثم تعاود الانزلاق وفي كل مرة تنزلق فيها  تتسع الهاوية وتطول نوبة الاكتئاب وتصبح أتفه كلمة أو أقل مشكلة سببا في انزلاقك  , تعتقد أنك أخيرا ستصل إلى القاع ثم تكتشف أن الهاوية ليس لها قاع ,
 تتساءل لماذا أنت عاجز عن أن تكون طبيعيا مثل باقي الناس ؟
  لماذا أنت عاجز  على النهوض بعد السقوط ؟
 لماذا أنت عاجز عن رؤية الجمال الذي  الآخرون في الحياة ؟

لابد أن هناك شيئا خاطئا داخلك , ولو عثرت على هذا الشيء وصلحته ستنصلح حياتك كلها  , تشعر بالغباء لأنك لا تستطيع العثور عليه , تكره نفسك وتتمنى لو كنت تمتلك جينات الأشخاص المبتسمين المتفائلين الأقوياء ,تكتشف أنك مريض ولكنك لا تستطيع الاعتراف بمرضك حتى أمام نفسك  لأن مرضك عار عليك ,  تتمنى لو كنت مصاب بمرض عضوي حتى تتلقى التعاطف من الناس و تستطيع أن تذهب للطبيب برأس مرفوعة  بدلا أن تبحث عنه في السر , تصب على نفسك المزيد من اللوم و  العذاب , تشعر بالوحدة لأن لا أحد يفهم ما تمر به , وحتى لا يلومك الناس مجددا  على ما أنت فيه ,  تبذل مجهودا جبارا حتى تخفي عنهم ما بداخلك , تتعلم كيف تبتسم والألم يعتصر كل خلية من جسدك  , تتعلم كيف تبكي بدون دموع , تتعلم كيف تتظاهر أنك حي من الخارج  وأنت ميت من الداخل , تفقد كل الأشياء طعمها وكل الأهداف معناها  وتتبخر  كل المشاعر من داخلك ما عدا الألم  , يصبح وجودك بلا قيمة و يصبح هدفك الوحيد هو  التخلص من هذا الألم المقيم  بأن تتخلص  من الحياة  ,  ولكنك تعجز عن تنفيذ  قرارك ليس لأنك تخاف من الموت ولكن لأنك تخاف أن تفشل خطتك ويلفظك الموت أو أن ينتظرك عذاب أشد في الآخرة ,  تشعر أنك جبان وضعيف وعاجز , عاجز حتى عن تنفيذ  الشيء الوحيد الذي يقدم عليه كل من يمرون بحالتك , فتقرر أن تنتظر   وتحلم بمعجزة  تنهي مأساتك و تخرجك من الظلام إلى النور.

0 تعليقات